التوبة لوازمها وثمارها
التوبة : معناها الرجوع إلى الطريق المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم .
مقدماتها :
1- توفيق الله سبحانه وتعالى للعبد لأن المعصية ما حصلت إلا بخذلان الله وتخليته للمرء ونفسه والتوفيق إذن من الله للتائب . قال تعالى في سورة التوبة : ((فتاب عليهم ليتوبوا...) أي فإذن لهم بالتوبة ثم قبلها منهم .
2- إعمال الفكر في المعاصي وما تجره من ويلات على العاصي في الدنيا والآخرة .
3- همة وإرادة قوية تدفعانه إلى الرجوع للحق والهدى .
4- مفارقة قرناء السوء .
حكم التوبة : واجبة على كل مكلف في كل زمان لا كما يقع في بال كثير من الناس أنها لا تجب إلا على أهل الكبائر . وتأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه والدليل قوله تعالى في سورة النور ((وتوبوا جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)) وكان أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم يعدون له في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة . أستغفرك اللهم وأتوب إليك .
شروط التوبة : الإقلاع عن الذنب ، الندم على ما فات . والعزم على أن لا يعود ورد الحقوق إلى أهليها .
الأشياء التي يتاب منها كثيرة نذكر منها : الشرك بأنواعه والكفر بنوعيه والفسوق والعدوان والكبائر والصغائر والإسراف والتبذير والكبر والتقصير في الأعمال التي أسندت إليك والتي هي أمانة في عنقك والحسد والغفلة والتهاون في العبادات وغير ذلك .
مسائل لابد من معرفتها :
1- التوبة طاعة عظيمة يفرح بها الله عز وجل فرح تفضل على عبده لا فرح حاجة .
2- إذا كان عليه حق مالي لأحد فيرده عليه إن علم صاحبه ويتحلل منه وإن لم يعلمه فيتصدق به عنه . وإن كان المال للدولة فيودعه في حساب إبراء الذمة .
3- إن كان الحق غير مالي كالغيبة والنميمة ونحو ذلك وخشي أن يغيظه إذا أخبره فعليه أن يستغفر له ويذكره بمحاسنه في المجالس وما من أحد إلا له إيجابيات وسلبيات لعل ذلك أن يكفر عنه .
4- إذا تعذر رد الحق واستحال رده ككافر قتل مسلماً في الحرب ثم تاب وأسلم فتوبته مقبولة ويعوض الله المقتول في سبيله خير عوض وقياساً على ذلك كل حق تعذر رده .
5- إذا تاب ثم عاد إلى الذنب فعليه أن يتوب وقد أختلف في ذلك ولعل الصحيح أن توبته مقبوله وعليه العزم أن لا يعود .
6- إذا تاب من ذنب وبقي على آخر فإن كان الذنب الباقي من جنس الذي تابا منه لم تقبل توبته كمن تاب من نوع من المسكر واستعمل غيره . وإن كان الذنب الباقي عليه يختلف عن الذي تاب منها قبلت توبته مما تاب منه وعليه أن يتوب من باقي الذنوب .
7- يجب أن تكون التوبة عامة مما يعلمه المرء من الذنوب ومما لا يعلمه فقد يكون ما لا يعلمه أكثر مما يعلمه وعلى المسلم أن يلهج بهذا الدعاء اللهم اغفرلي ذنبي كله دقه وجله ما علمت منه وما أنت أعلم به مني .
8- هل يجوز احتجاج العاصي بالقدر ؟ لا يجوز الاحتجاج على المعصية بالقدر فقد ورد أن عمر بن الخطاب لما قُدم إليه شارب خمر ليجلده قال كيف تجلدني وقد قدر الله علي ذلك فرد عليه عمر رضي الله عنه إن الذي قدر عليك الشرب قدر عليك الجلد وجلده .
9- على المرء أن يكون شديد الحذر من الشيطان الذي أوقعه في المعصية فقد يوقعه في اليأس من فضل الله والقنوط من رحمته وهذه طامة أخرى .
10- الذنب الذي لا يغفره الله هو الشرك قال تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء...) . وأما سائر الذنوب غير الشرك فتمحوها التوبة فإن مات العاصي المسلم وهو لم يتب فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه على قدر ذنوبه ثم مآله إلى الجنة والإسلام يجبّ ما قبله والتوبة تجبّ ما قبلها .
11- أن تكون التوبة خالصة لوجه الله وخوفاً منه لا حفظاً للجاه والمال والصحة فهذه أهداف تتحقق بدون أن يحسب المرء حسابها في التوبة .
12- وقت التوبة يمتد إلى أن يحتضر المرء أي حضره ملك الموت ليقبض روحه . وفي الحديث إن الله ليقبل توبة أحدكم ما لم يغرغر وفتح باب التوبة يدفع إلى المبادرة والمسارعة قبل أن يغلق الباب لأن المرء لا يدري متى يموت .
13- كثرة الحسنات والأعمال الصالحة تكفر السيئات . قال تعالى : (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) .
ثمار التوبة
1- محبة الله للتائب . قال تعالى في سورة البقرة : (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) .
2- يبدل الله سيئات التائب حسنات . قال تعالى في آخر سورة الفرقان ( إلا من تاب وآمن عمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئات حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) . واختلف العلماء في التبديل فقال بعضهم يوفق لفعل الحسنات بدل فعل السيئات . وقيل إنه إذا صدقت توبته يعطى بدل كل سيئة عملها حسنة فضل وكرم من الله .
3- يُنوّر الله بصيرة التائب فيعرف الحق من الباطل .
4- من صدق في بغضه حين مقارفته للمعصية ينقلب بغضه حباً له في الله .
5- يكون في قلب التائب كسرة وخضوع لله لا يجد ذلك إلا التائب فيعبد الله مخلصاً حباً وخوفاً ورجاءً .
6- تورثه التوبة تواضعاً لخلق الله فلا يرى انه أفضل من أحد ولا يحتقر أحداً ليس كمن يدل بطاعته على ربه ويرى أن له حقوقاً على الله وأنه لم يعص رب معصية خير من طاعة .
فالمعصية التي يتاب منها وتدفع صاحبها إلى الإكثار من الحسنات وكثرة الاستغفار والعمل الصالح وإسداء الخير والنفع والنصح لعباد الله خير من الطاعة التي يدل بها صاحبها . وقد ورد في الحديث القدسي : ( يا آدم ذنب تذل به لدينا خير من طاعة تُدل بها علينا) .
7- يرى أحسان الله وبره به ولطفه حيث وفقه للتوبة فيرجو عظيمة مغفرة الله وعفوة .
8- التائب يجد السرور والسعادة بعد الاكتئاب والشقاوة .
9- الفوز بالجنة والنجاة من النار .
10- التائب تستغفر له الملائكة قال تعالى في أول سورة غافر : (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا . ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) .
فتأمل أخي المسلم هذه الثمار الطيبة أليست جديرة بالاهتمام والسعي لها بالتوبة وكثرة الاستغفار والصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي . قال الله تعالى في سورة الأنفال : (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) .
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لو نزلت صاعقة من السماء ما أصابت مستغفراً فإن التوبة والاستغفار ينظفان النفس من أوضار المعاصي أشد من تنظيف الماء والصابون للجسم .
اللهم اغفر لنا ولجميع المسلمين وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
منقول للفائدة ونسأل الله أن يكتب أجر الكتاب الغير معروف لدينا